فقه الدين منحة إلهية

شرح حديث: “ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”

الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين” هو من الأحاديث التي تلخص جزءًا من العلاقة بين الإنسان والهداية الإلهية في ما يتعلق بالدين والعلم. يظهر هذا الحديث أن الفقه في الدين ليس مجرد معرفة أو علم، بل هو منحة إلهية يمنحها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده. وفي هذا المقال، سنتناول شرح هذا الحديث ودلالاته وأبعاده من عدة جوانب.

1. تعريف الفقه في الدين

الفقه في الدين هو فهم الشريعة الإسلامية بكل جوانبها، سواء كانت عبادات أو معاملات أو أحكام حياتية. لكنه ليس مجرد معرفة سطحية أو معرفة قواعد ومبادئ، بل هو علم يتطلب التدبر والفهم العميق للنصوص الشرعية، واستخلاص الأحكام منها وفقًا لظروف الحياة والمتغيرات المستجدة. وعليه، الفقه ليس مجرد قراءة للأحكام، بل هو تعامل مع هذه الأحكام وإدراك لمقاصد الشريعة.

في الحديث، “يفقهه في الدين” يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى قد يهب بعض عباده فقهًا عميقًا في الدين يجعلهم قادرين على فهم النصوص الشرعية وتفسيرها بما يتوافق مع مقاصد الشريعة. وهذا الفقه ليس قاصرًا على علم الفقه فحسب، بل يشمل أيضًا الفهم الصحيح للعقيدة الإسلامية والتعامل مع الآخرين وفقًا لأخلاقيات الإسلام.

2. دلالة حديث “ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”

يُعد الحديث تأكيدًا على أن الفقه في الدين هو منحة من الله عز وجل، يختص بها من يشاء من عباده. ولذلك، فإن من يرزق بالفقه في الدين، فهو قد نال خيرًا عظيمًا من الله، حيث أن الفقه في الدين هو مفتاح لفتح أبواب التفاهم الصحيح لكتاب الله وسنة نبيه.

يمكن النظر إلى الفقه في الدين كأداة لفهم حياة المسلم في جميع جوانبها، فمن خلاله يستطيع المسلم فهم كيفية أداء عباداته بطريقة صحيحة، وكذلك كيفية التعامل مع الآخرين، وإقامة العدل، والابتعاد عن المحرمات، بما يتفق مع مراد الله سبحانه وتعالى.

3. الارتباط بين الفقه في الدين والهداية

الهداية من الله سبحانه وتعالى لها العديد من الأشكال، ومن أبرزها هداية الإنسان إلى الدين الصحيح والتمسك به. ولكن من الهداية الخاصة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هي هداية الفقه في الدين. هذه الهداية ليست مقتصرة على مجرد التوجيه، بل تشمل أيضًا التوفيق لفهم وتطبيق الدين في الحياة اليومية.

إن من يفقه في الدين يصبح أكثر قدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، بين الحلال والحرام، ويستطيع أن يفهم نصوص الكتاب والسنة بشكل عميق ومتوازن، مما يمكنه من اتخاذ قرارات حياتية سليمة تتماشى مع شريعة الإسلام. هذه الهداية تعتبر من أسمى أنواع الخيرات التي يمكن أن يرزقها الله لعباده، لأنها تمكّن الإنسان من تحقيق الحياة الفاضلة التي يرضى الله عنها.

4. أسباب فقه الدين من منظور حديث “ومن يرد الله به خيرًا”

يمكن تفسير الحديث في إطار أن الفقه في الدين هو نوع من العطاء الإلهي الذي يخصه الله لمن يشاء. ولكن هذا العطاء ليس عطاءً عشوائيًا، بل هو مرتبط بعدد من الأسباب التي من خلالها يتم منح هذا الفقه. من هذه الأسباب:

التقوى والنية الصادقة

إن من يسعى لطلب العلم الديني بنية خالصة لله، بعيدًا عن الرياء والسمعة، يكون أكثر قابلية للحصول على فقه في الدين. الله سبحانه وتعالى يوفق من كانت نيته صافية لإدراك المعاني العميقة في الدين.

التزام الإنسان بالعبادات

الاهتمام بالعبادات والمواظبة عليها يعتبر من أهم العوامل التي تساهم في فقه الشخص في دينه. من يكثر من العبادة، ويسعى إلى فهم ما يفعله في عباداته، يجد نفسه قريبًا من فهم أعمق وأدق لمراد الله عز وجل.

الصحبة الصالحة

الصحبة الصالحة تعتبر أحد أسباب الحصول على فقه في الدين، حيث أن المسلم الذي يتعلم من العلماء ويسمع من أهل العلم، ويعيش في محيط يتسم بالتقوى والصلاح، يصبح أكثر قدرة على فهم الدين بشكل صحيح.

التوفيق من الله

في النهاية، يبقى أن التوفيق الكامل للحصول على الفقه في الدين هو بيد الله سبحانه وتعالى. فهو الذي يفتح القلوب للعقل والتفكير والتدبر في الكتاب والسنة، وقد يخص الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده بهذا الفقه العميق.

5. دور العلماء في نشر الفقه

الفقه في الدين ليس محصورًا في المسائل الفردية فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل المجتمع بأسره. لذلك كان العلماء والدعاة من أهم مصادر نقل الفقه في الدين إلى الأمة. العلماء هم ورثة الأنبياء في نقل هذا العلم، ويجب أن يقوموا بتبسيط الأمور التي قد تكون معقدة أو غامضة للجمهور، والعمل على نقل العلم الصحيح الذي يتفق مع روح الشريعة.

إن العلماء يملكون أدوات فقهية متنوعة، ويعتمدون في ذلك على أصول الاجتهاد المبني على القرآن والسنة، بالإضافة إلى فقه المصلحة العامة. وعليه، يجب أن يتحلى العلماء بالعلم والحكمة معًا في تفسير النصوص وتوجيه الناس إلى الصواب.

6. مظاهر فقه الدين في حياة المسلم

يظهر الفقه في الدين في حياة المسلم في العديد من الأوجه المختلفة التي تؤثر بشكل مباشر في سلوكه اليومي. من هذه المظاهر:

العبادات

في العبادة، يظهر الفقه في الدين في كيفية أداء الصلاة والصيام والزكاة والحج. المسلم الذي يفقه في الدين يعرف كيفية أداء هذه العبادات على أكمل وجه، كما يعرف حكم الأمور الطارئة التي قد تحدث أثناء أداء هذه العبادات.

المعاملات

الفقه في الدين يمتد ليشمل التعاملات اليومية مثل البيع والشراء، والعلاقات بين الأفراد، وتنظيم الحقوق والواجبات في المجتمع. المسلم الذي يفقه في الدين يسعى دائمًا لتحقيق العدالة والمساواة في كل تعاملاته.

التعامل مع الأزمات والفتن

إن المسلم الذي يفقه في الدين قادر على التمييز بين الحق والباطل في أوقات الفتن، كما أنه يستطيع التعامل مع التحديات والأزمات الحياتية من منظور إيماني، مما يساعده في التصرف بشكل يتماشى مع شريعة الله.

العدل والمساواة

الفقه في الدين يعزز من شعور المسلم بالعدالة والمساواة بين الناس، فهو يفهم أن كل إنسان له حقوق وعليه واجبات، ويعترف بحقوق الآخرين ويسعى لتحقيق العدالة في كل مواقفه.

7. خاتمة

الحديث الشريف “ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين” يحمل معانٍ عميقة تتجاوز حدود الفهم السطحي. إن الفقه في الدين هو منحة إلهية، تفتح أمام المسلم أبواب الهداية إلى طريق الصواب. من خلال هذا الفقه، يستطيع المسلم أن يعيش حياة تتماشى مع مبادئ الشريعة، ويحقق العدالة والتوازن في مجتمعه.